عرض المقال
خطأ لينكولن وثقافة الاعتذار
2013-03-02 السبت
شاهدت أمس فيلم «لينكولن» للمخرج العبقرى ستيفن سبيلبرج وفضلاً عن استمتاعى بالأداء العبقرى للممثلين والديكورات المبهرة والإنتاج السخى والتصوير المدهش والسيناريو الرائع.. إلى آخر تفاصيل هذه الملحمة السينمائية التى تحكى قصة أحد قديسى السياسة التى لا تعرف إلا الدسائس والمؤامرات، لكن بعيداً عن كل تلك التفاصيل السينمائية أدهشنى اعتذار كاتب السيناريو عن خطأ زمنه 15 ثانية، اعترف السيناريست بهذا الخطأ الذى لولا التركيز المسبق لم أكن ألاحظه على الإطلاق، ما هى قصة هذا الخطأ الذى يلخص لماذا تتقدم هذه الشعوب ونتخلف نحن؟ إنها الرغبة فى الكمال والإجادة، لماذا الخطأ حتى ولو كانت 15 ثانية؟ هذا سؤال تطرحه شعوب شجاعة فى مواجهة نفسها فى المرآة بكل صراحة وجرأة وأحياناً قسوة.
لفت انتباه كاتب السيناريو إلى هذا الخطأ نائب أمريكى عن ولاية كونيكتيكت، إذ أثارت هذه الثوانى الـ 15 حفيظته حين شاهد نائبين عن ولايته فى ذلك الحدث التاريخى فى عام 1865 يصوتان لصالح الإبقاء على العبودية، وجاء فى رسالة نشرها كاتب السيناريو تونى كوشنر أن ممثل الولاية الواقعة فى شمال شرق أمريكا جو كورتنى «كان محقاً عندما قال إن الأعضاء الأربعة من وفد كونيكتيكت صوتوا لصالح القضاء على العبودية»، وأضاف: «غيرنا تصويت فردين اثنين من الوفد وأطلقنا أسماء جديدة على الممثلين كى لا يعزى التصويت إلى شخصيات حقيقية».
قدم كوشنر اعتذاره لكل من شعر بالإهانة فى الولاية عند مشاهدة هذه اللقطة فى الفيلم، مشيراً إلى أن جوهر الفيلم لا يتأثر بهذا الخطأ لأن روايته «تختلف عن التاريخ بحد ذاته».
من جانبه أشاد النائب جو كورتنى بطونى كوشنر لاعترافه بالخطأ، منوهاً بأهمية الأمر «كى لا يخرج المشاهدون من قاعات السينما وهم يظنون أن ممثلى ولاية كونيكتيكت لم يكونوا فى الجانب الصائب من التاريخ». وطالب كورتنى بتعديل المشهد وإعادة نسخ الأقراص المحملة بالفيلم قبل طرحه بالخطأ المُشار إليه.
ماذا تعلمنا هذه القصة التى من الممكن أن نعتبرها تافهة؟ ثقافة الاعتذار التى لا بد أن نتعلمها هى فيصل ما بين شعب متقدم وشعب آخر يتأخر ويتقهقر، السينما والأفلام ليست عملاً تافهاً وحتى لو اعتبرتها أنت تفاهة أو لعب عيال أو وسيلة تسلية كل هذا لا يبرر السلق والسربعة والخطأ وعدم الدقة التاريخية، من الممكن هنا أن تطنش مثل هذا الخطأ خاصة أنه 15 ثانية لا حتفرق ولا حتضر من وجهة نظرنا، من الممكن هنا فى مصر أن تطرمخ على الموضوع لكن هناك حيث الخطأ خطأ حتى ولو كان ثوانى قليلة! ثقافة الاعتذار دون خجل من القيل والقال هى ثقافة تعلم الشجاعة وعدم النفاق وعدم الازدواجية، هل سيأتى اليوم الذى يعتذر فيه مسئول مصرى عما اقترفه ويقترفه فى حقنا أم أن الجلد التخين يحول دون ذلك؟!